كل الذين عارضوا نظام بن علي بدون استثناء هم الان في معارضة سلطة 25 بسقوف متفاوتة وكل موالاة بن علي لا ينقص منها أحد هي الان في موالاة سلطة 25 بصيغ مختلفة وهذا وحده تأكيد لاستحالة قيام تسلطية مستقرة ومتماسكة .
هناك فوارق اخرى تؤكد هذه الاستحالة :
أولها : ان نظام بن علي قد بدأت تسلطيته في الترهل لتتجرأ عليه المعارضة بعد حوالي عشرية كاملة من فرض الصمت المطبق والموالاة التامة من النخبة الناطقة وعموم الشعب الصامت اي في اواخر التسعينات وبداية الالفينات لكن سلطة 25 بدأت منذ لحظتها الاولى مهزوزة الشرعية ومطعونة المشروعية ولم تتمكن من اثبات دعاوى التفويض الشعبي في كل المناسبات التي حاولت فيها تعبئة الشارع وفي المحطات الانتخابية الثلاثة التي انجزتها استشارة واستفتاء وانتخابات. لقد بدأت سلطة 25 مترهلة من حيث انتهى نظام بن علي .
ثانيها : ان نظام بن علي قد تمكن لترسيخ تسلطيته من ضمان حزام سياسي قوي بتجمع دستوري جدد القه ومعارضة موالية من احزاب تاريخية بثقل معقول يسمح بعزلة الاسلاميين دون ان يكون النظام معزولا ، كما اعتمد بن علي على اتحادي شغل واعراف قابلين بالترتيب الجديد للتسلطية الاستبعادية التي اقامها النظام وفي سياق متصل اعتمد فريقا حكوميا تمكن بواسطته من فهم وانجاز المطلوب منه اقتصاديا واجتماعيا وجيواستراتيجيا في تسعينات العولمة والامركة وسقوط الاتحاد السوفياتي ومقاومة " الارهاب " ومحاصرة الاسلام السياسي مع غلبة المحافظين الجدد وعصر القطب الواحد .
في مقابل ذلك تبدو سلطة 25 عارية من كل حزام سياسي الا عناوين حزبية ضعيفة لا وزن لها ترمي نفسها على هذه السلطة دون ان تعترف بها " الدولة / النظام" كما تبدو سلطة 25 رافضة كل الاجسام الوسيطة التي عرضت خدمتها بما فيها المنظمة الشغيلة والاعلام السائد ما حول هذه الاجسام قسريا الى صف المعارضة فضلا عن طبيعة " الكوادر" التي يعتمدها النظام الحاكم والتي لا تدرك ابدا كيفية انجاز المطلوب منها محليا واقليميا ودوليا ما جعل سلطة 25 تتحول الى عزلة متفاقمة عن محيطها الشعبي والدولي الذي ساندها او سكت على خروقاتها الدستورية .
ثالثا : من المؤكد ان بن علي قد حاول في العشرية الاولى الايهام بحد ادنى من ديمقراطية مسقفة وشراكة شكلانية في الحكم واشتغل على قدر ادنى من المأسسة واحترام الطقوس التاريخية للدولة والادارة كما كان النظام يحاول التأقلم مع النزوعات التحررية للشباب والنخب التونسية التي لا ترتاح طويلا الى الانغلاق التسلطي ما جعل الانتفاض من اجل الحرية دوريا وان كان يقترن بالاحتجاج الاجتماعي في الظاهر ما يؤكد ان الشعب التونسي رغم كل شيء يبقى ميالا للحرية والديمقراطية . في المقابل يبدو التوجه الشعبوي لسلطة 25 قائما على توتر بنيوي ضد النخبة وعلى عداء بدائي للديمقراطي والحداثة المؤسساتية وعلى رفض للالتزام بتقاليد الدولة وتاريخية السياسة والظواهر الحزبية في تونس وهو ما سيجعل اقامة تسلطية قامعة للحريات والعمل السياسي في تونس امرا مستحيلا لن يستمر بعد خفوت الغضب الشعبي على النخب والطبقة السياسية .
اعتمدت عبارة وائل حلاق عن الدولة المستحيلة بوضع عنوان التسلطية المستحيلة .