فاذا تبدلت الاحوال فكأنه خلق جديد …
الشارع العراقي ساخن هذه الايام باحتجاحات شعبية يقف الشباب في قلبها .نفس الخطاب الشبابي في مختلف الاقطار العربية : غضب من نظم سياسية جامدة و امتعاض من طبقة سياسية لا تأخذ بعين الاعتبار استحقاقات الناس الاقتصادية و الاجتماعية من بطالة اصحاب الشهادات الى ارتفاع نسبة الفقر و التهميش و تاكل الطبقة الوسطى و تدهور المقدرة الشرائية و ارتفاع كلفة الحياة .
شباب العراق وجه الاتهام لطبقة سياسية مشغولة بمحاصصاتها المذهبية و الطائفية و تيارات سياسية تكتفي بملاحقة الحراك دون قدرة على ادعاء الحضور فيكتفي بعضها بمساندة خجولة و بتلميحات متلعثمة كالعادة بالتحذير من " الاجندات " الخطيرة التي تستهدف الدولة او الوطن في حالة " انكار " غريبة لا تريد الاعتراف بأن هذه الطبقة السياسية معزولة فعلا على معاناة و امال نشأت في اعماق النسيج المجتمعي في غفلة منها و هي مستغرقة في صالوناتها المخملية و صراعها البيني حول قضايا لا تهم الناس .
الغريب ان هذا الحراك العربي ذا النزعة الشبابية و الموضوع الاجتماعي لا يقوم فقط على استهجان " للسياسة و اهلها " بل يتشابه احيانا في بعض وصفاته السياسية اذ تروج غالبا فكرة " البحث عن الفرد المغير " عبر المطالبة بنظام رئاسي خصوصا في الدول التي يسود فيها شكل من " الديمقراطية " القائمة على " صخب برلماني " و ضجيج صراعات سياسوية في بلاتوات التلفزات و كأن " الشباب " الذي عزف عن المشاركة السياسية يبحث عن " الزعيم المخلص " لا بمعناه التقليدي بل بما هو فرد متخفف من " حماقات الاحزاب " يفرزه الصندوق و تدعمه " الحشود " باعتبارها " الحزب الوطني الكبير " الجديد في شكل انتظامه " الديمقراطي التشاركي " عبر وسائل التعبئة الالكترونية و الوسائط الجديدة بعيدا عن ديمقراطية " تمثيلية " عوضت نظم الاستبداد الفردي و الحزب الواحد لكنها سرعان ما فقدت بريقها عبر ولادة " تعددية " تقاسمت السلطة لكنها لم تتقاسم هموم التغيير .
نفس " الفاعلين " و بشبه كبير في الشكل و المضمون يتنامى حراك اجتماعي شبابي من العراق الى الاردن وصولا الى لبنان و المغرب الاقصى مرورا بمصر التي يستعاد فيها الحراك بشكل متدرج رغم القبضة الامنية و العسكرية الفضيحة التي حولت القاهرة و المدن المصرية الكبرى الى متاريس و شوارع مغلقة . و بين هذا و ذاك يتواصل ربيع السودان و الجزائر ببطء شديد من " سيستام " حاكم يناور مع الحراك دون ان يقبل تماما بشروط " الشارع " و دون ان ينجح في اسكاته .
في اليمن و ليبيا يختفي غضب شعبي اجتماعي من " السياسيين " تحت صوت الرصاص في كلفة عالية من التضحيات يبدو ان حراك الشباب العربي المذكور اعلاه يحاول تجنبه.
في تونس مهد " ربيع غضب العرب المستضعفين " اتجه الحراك بشكل متدرج الى التعبير عن نفسه عبر الصندوق في رئاسية فاجأت كل الطبقة السياسية و تحاول ملاحقتها و من الممكن ان تعطي تونس مرة اخرى الدرس في " الانصات " الى اصوات الناس و غضبهم بشكل " مدني " يحفظ الدولة و الوطن و يمكن الحراك الشبابي العربي من اثباتات عملية بجدوى النضال السلمي عبر " الديمقراطية " اذا تجاوزت الطبقة السياسية حالة الانكار و العناد و فهمت ان " منظومات قيم و افكار و قيادة " يجب ان تزول لتترك مكانها لمنظومة جديدة تبدو ملامحها غامضة و جملها متلعثمة لكن النخب الوطنية قادرة على مساعدة الشباب لصياغتها في حكاية فصيحة اذا قبلت الانحياز اليها و كفت عن كسلها الفطري في الركون الى " سيستامات " رؤاها القديمة و بطء " ريفلاكساتها " المتبلدة و البطيئة ….
عالم جديد ينشأ و كون اخر يكتشف في ما بعد حداثة عاصفة بالحديث الذي اصبح قديما و يحتاج ساسة و نخبا في جرأة " غاليلي " في فجر الحداثة الاولى و هو يعلن ان " شيئا رهيبا " يكتشفه في عالم جديد بعيون كوبرنيك بعد ان انتهى عالم بطليموس .