تفاهة الشر او بساطته او سذاجته ..حسب الترجمة ...هذا ما استخلصته الصحفية الشابة حنا أرندت و هي تغطي بالقدس في ستينات القرن الماضي محاكمة " ايخمان " احد ضباط القوة النازية الخاصة ....
الشر ليس فعلا متأصلا في ذات شريرة ...ليس دائما ايديولوجيا تحدد لك خصوما عبر منهج تحليلي فتأخذ موقفا معقلنا لتقتل عدوك ..لا ...لا داعي لذلك ...ان تفعل الشر لا يمنع انك خير في اعماقك ....يكفي فقط ان يكون هناك "فوهرر " ...زعيم تعتبره ملهما خيرا و حاملا لرسالة مقدسة حتى تقتل بإشارة منه ليصبح القتل ارقى افعال الخير عندك ...زعيم. يصنف لك بمجرد انطباعه و يشير لك فقط بأصبعه الى اتجاه القبلة فتسحق من اجله اعداء قبلته ...ليس بالضرورة ان تكون شريرا …
قالت حنا ان ايخمان لم يعتبر ابدا نفسه في اي لحظة من لحظات المحاكمة انه شرير و لم نشعر انه كذلك ...كان فقط يعتقد انه فعل ما يعتبره الفوهرر لمصلحة الوطن و الشعب و التاريخ ...لو قال له الفوهرر ان اليهود هم خير من على الارض لعبدهم …
هناك موجة جنون اعمى ستصل الى اقصاها لتنشر الخير بكل اشكال السحل المعنوي و المادي للأشرار الذين يقرر "شعب طاهر العرق و السريرة " انهم اشرار كما قال " الزعيم" ....
في هذه الموجة سيستفيد كل من يريدون الاستفادة من موجة الرعب المعمم هذا : اعوان اجهزة فقدوا الوجاهة و السلطة و سيعودون للانتقام و تصفية الحساب الشخصي باسم الشعب و الزعيم ...مهووسو ايديولوجيات سيغتنمون الفرصة للإجهاز ...نخب تقليدية مكسرة فقدت سلطتها مع ذهاب الاستبداد الاول ..لوبيات و عصابات اجنبية ستاتي لتمارس رقصة الجنون ....كلهم سيكونون قضاة المحكمة الشعبية يشيرون فتزحف الجماهير زحفها الاخضر على"اوكار الفساد و خونة الشعب " …
الفاشية اعلى مراحل الشعبوية ...من وقف في وجه السيل جرفه ...ستحرق الجماهير من تراهم " مشعلي الحرائق " و ليس مهما ان تعتذر بعد ذلك ممن اخطأت في حقهم ....ذاك منطق الثورات الروبيسبييرية : خنق اخر فاسد بأمعاء اخر سياسي قرر الزعيم الملهم انهم سبب البلاء ...تكفي قراءة تاريخ و تجارب شعوب حتى نفهم كيف تسير حتميات التاريخ.