لم يتوقع اكثر الديمقراطيين تفاؤلا سرعة تحول سلطة 25 جويلية في أقل من ثلاث سنوات الى مجرد استبداد عربي تقليدي رث يقف عاريا في مواجهة كل الحركة السياسية بجميع اطيافها وتياراتها ولا يملك في منافستها انتخابيا أكثر من ادوات فرض الأمر الواقع باستعمال مؤسسات القوة القاهرة لدولة ( عربية تقليدية ) سبق الطعن في شرعيتها التسلطية منذ " الانفجار الثوري" في 2011 الذي من المفروض ان الرئيس قيس سعيد انجز يوم 25 جويلية 2021 " انقلابا" على " المسار الديمقراطي " بمشروعية تصحيحه لتركيز "حكم الشعب" لا استعادة " شوكة النظام " .
كانت حصيلة عشرية الانتقال العسير وقصورها عن الانجاز الاجتماعي مع ما رافقها من مناكفات وصراعات صفرية بين فرقاء الطبقة السياسية قوة دفع خارقة بالمعنى الفيزيائي للكلمة كانت تستطيع أن تمنح سلطة 25 جويلية قدرة على استمرار الحكم لسنوات عديدة ببريق مشروعية شعبية لا تنضب لو تمكنت هذه السلطة من صناعة حزام سياسي ذي مصداقية وبرنامج حكم منجز ومحقق لانتظارات الناس المحبطين من سياسيي العشرية ولو تمكنت هذه السلطة من فهم المطلوب في سياق اقليمي ودولي ورعاة تجربة تونسية غيروا جذريا تعاطيهم مع الحركة السياسية التونسية ومجتمعها المدني وقرروا ترتيب المجال السياسي والوضع الاقتصادي بسياسة الصدمة والذهول كما صاغتها أجندة التوجيه الخفي لحدث 25 . لكن الغريب ومن حسن حظ النزوع الديمقراطي التونسي الاستثنائي هو سرعة تبذير سلطة 25 لهذا الرصيد المفترض وانتهاؤها سريعا الى شكل تسلطية عربية تقليدية معزولة شعبيا ونخبويا يصعب أن تجد من يحمل عبئها على كتفيه ليتحمل ادارة أزمتها .
يجب أن نقف بتفكير عميق لنفهم حجم المفارقة الرهيبة التي انتهى اليها سريعا " مشروع تحرير وطني " جاء لمواجهة "الفاسدين " و " المتآمرين على الدولة " وأكد في اشهره الاولى متزلفون كثر و"بعض صادقين اخطأوا التقدير" أنه " تصحيح ضروري" فرضه "الشعب" و " سنتصدى له اذا انحرف" ليجد هذا المشروع نفسه اليوم وفي أقل من ثلاث سنوات مجرد " نظام عربي تسلطي " لا يقف حوله اكثر من "كسور تنظيمات سياسية مجهرية بأيديولوجيات شعبوية مفوتة " أو بقايا افراد من منظومة قديمة ذهب اغلب عقلاؤها النوعيون مع حتمية التحول التاريخي منذ 2011" بل يعلن زعيمه أنه غريب وسط "منظومة" ابتلعت كوادره كما ابتلعت افكاره وطموحاته وجعلته مثل " صالح في ثمود " .
انها دينامية "الوطنية التونسية" وسرها العميق اللذان نحتاج قراءتهما وفهمهما بعمق لنفهم كيف اصبحت هذه التربة مستعصية عن استعادة التسلطية ومنتجة بشكل سريع لجاذبية الحرية وبهذه القراءة والفهم يمكن اجتراح الحلول للتجاوز السريع لخيبة العشرية وعجزنا عن الاستثمار فيها لبناء الديمقراطية التونسية المنجزة والأهم من ذلك لاجتراح الحل السريع لتجاوز هذا القوس التسلطي الذي انتهى سريعا الى حالة من الترهل المبكر لم تترك الوقت للطبقة السياسية لتعد مراجعاتها وتستعد كما يجب لاستعادة الديمقراطية …
من سوء حظنا ان القوس التسلطي دخل سريعا الى مدار الازمة بما لا يمنح للحركة السياسية التونسية رفاهية البطء والتأني في اجتراح الحلول للخروج من المأزق الوطني وعليها ان تسرع من جديد في صياغة مبادراتها .
يتبع