بالنسبة الينا لا معنى في هذه الساعات العصيبة ان نتحدث عن التضامن مع رفاقنا ورفيقتنا في الشارع الديمقراطي ممن طالتهم الايقافات بتهمة سخيفة كالتي نسمعها حاليا ونحن نعرف تماما الرؤية والخطة السياسية التي تختارها السلطة في توجيه الصراع مع معارضيها.
التضامن هو مجرد موقف اخلاقي او شعوري بين اطراف لا يجمعهم موقف سياسي مشترك .ما يهمنا الان اكثر وفي انتظار بيان وموقف جبهة الخلاص هو ان تذهب كل الاطراف السياسية المعنية بالديمقراطية أولا وبالحريات والحقوق ثانيا الى صياغة الرؤية السياسية المشتركة التي تقول بوضوح لا مواربة فيه ان ذهاب السلطة القائمة الى تحويل الصراع السياسي مع خصومها الى صراع باعتماد القوة القاهرة للدولة في بلد يعاني من الانقسام السياسي ويرزح تحت ازمة اقتصادية خانقة هو امعان في طريق المجهول الخطر .
فرض الامر السياسي الواقع وهندسته عبر القضاء والملاحقة الأمنية والسجون وتثبيت ميزان القوة / الضعف بين اطراف الصراع باعتماد القوة العارية هو اسلوب تمت تجربته في عقود سابقة ولم يورث البلاد الا أحقادا وجراحا مازالت تنهك البلاد والمشاعر والعقول ولكنها لم تضع البلاد على طريق التنمية ولا التعايش ولا ادخلتها الى مصاف الدول المتقدمة ولم تغير شيئا في موازين القوة وتنوع الاطراف السياسية فالسجون لم تستأصل تيارا والملاحقات لم تنه المختلفين واستعمال القوة لم يمنح سلطة استقرارا وشرعية : هل تظن السلطة انها ستضمن استقرارها حتى لو وضعتنا جميعا نحن المختلفين معها في السجون والمعتقلات ؟ طبعا لا وهذا ما قاله التاريخ وسيؤكده المستقبل .
أجواء الشعبوية والغرائز العامية المنفلتة التي يعبر عنها انصار قيس سعيد الحقيقيين والمزيفين والوظيفيين ليست عامل قوة للسلطة القائمة حتى تمعن باطمئنان في اعتماد هذا الاسلوب الذي جربته سابقا سلط الاستبداد التقليدي .مثل هذه الأجواء المرعبة وصيحات الانتصار الزائف التي تصدر عن القوى الغريبة والبشعة التي تتابع صراع السلطة مع معارضيها كما تتابع حلبة صراع رومانية دامية لن تثبت وضعا ولن تضمن الا استقرارا ملغوما قوامه الصمت الاستبدادي المؤقت ولن تفعل غير اضافة مزيد من الجراح في وجدان شعب كان يعيش انتقالا ديمقراطيا متعثرا ليدخل اليوم عصر تسلط شعبوي بلا افق .
لن يصدق أحد يحمل في رأسه عقلا لا في الداخل ولا في الخارج ان شيماء، او عصام، او خيام، او لزهر، او عبد الحميد وغيرهم كثير يمكن ان يكونوا اعضاء في تنظيم ارهابي او في مؤامرة على " هيئة الدولة " .الجميع بمن فيهم السلطة تعلم جيدا انها امام شخصيات سياسية رافضة لانقلاب 25 جويلية ومناضلة بعلنية لا تحتمل الانكار من اجل استعادة المسار الديمقراطي . ولا أحد سيصدق ان العريض، او البحيري، او الغنوشي، او سيف مخلوف وغيرهم كثير مسؤولون عن ازمة البلاد الاقتصادية والاجتماعية فالجميع في الداخل والخارج يعلمون انهم جزء من اطراف سياسية شاركت في ادارة البلاد وحكمها عبر الانتخابات والمؤسسات والدستور في عشرية سابقة وانهم يدفعون الان ثمن صراع مع سلطة اخرى تريد تثبيت عهدها بالقوة العارية وتحجيم القوى التي تستطيع ان تنافسها .
الارهاب الذي يجب مقاومته والفساد الذي لابد من تفكيك منظومته والعدل والرخاء والتنمية الوطنية المستقلة والقرار الوطني الذي يفترض تحقيقه ليس باستهداف الخصوم السياسيين الذين تنبني مشاريعهم على نفس هذه المطالب وليس بخلط الاوراق وايهام الرأي العام بأن خصوم البلاد هم خصوم الرئيس، بل بالاعتراف بالأزمة التي تتخبط فيها البلاد والعودة الى الرشد .
ليس التضامن هو المطلوب .المطلوب اليوم هو الموقف السياسي الموحد في مواجهة هذا العبث المعمم الذي لن يذهب بنا ...كلنا بلا استثناء ...دولة ومجتمعا ...الا الى مزيد من التورط في وحل العدم …