لا أحد الا جاحد يمكن أن ينكر ان 25 جويلية ورئيسه وانصاره يتوغلون في وحل أزمتهم الخانقة بلا رؤية ولا مشروع الا امساكهم بالفيترينة الظاهرة للحكم وقبول "الدولة" بمنحهم متعة الجلوس في هذا المكان وتوهم ممارسة السلطة .
" الدولة المحضة " اي " النظام " بمعنى الادارة واجهزة العنف الشرعي واذرعها في مربعات النفوذ الاقتصادي و الرمزي ( الاعلام) هي من تتكفل الان بتصريف الاعمال وان بكثير من الصعوبة وهي من تدير الازمة عبر التفاوض والتنسيق مع اللاعبين الدوليين في وضع فراغ سياسي رهيب بعد ان شلت بواسطة 25 جويلية كل المشهد السياسي التقليدي الذي اعتبرته باستمرار مهددا للدولة / النظام .
اطراف المشهد السياسي السابق انجزت في السنة الفارطة مهامها المختلفة في علاقة بانقلاب 25 جويلية كما تحتمها عليها رؤيتها وعقيدتها وقيمها السياسية :
الموالون الازليون للاستبداد وقيم الاستئصال والديمقراطية الاستبعادية انجزوا كل مهامهم في الولاء للانقلاب والبراء من عشرية الانتقال الديمقراطي ولكن لا الدولة / النظام ولا الانقلاب ( قيس واذرعه ) قبلوهم او كافؤوهم على خدمتهم . وهذا ما ادخلهم الى مربع الشك والتلعثم والتردد بين مواصلة الولاء والبراء من جهة او ابتداع ما عرف في تاريخ تونس بالمساندة " النقدية " او " المعارضة "البناءة" ( اقرأ الموالاة ) فكانوا لا من هؤلاء ولا من هؤلاء .
القوى المناصرة للديمقراطية - رغم انف من يصمونهم بغير هذه الصفة - انجزوا في السنة الفارطة مهمتهم الكفاحية الاخلاقية مع " مواطنون ضد الانقلاب " ثم جبهة الخلاص في ضرب مقولة المشروعية الشعبية للانقلاب الشعبوي الاستبدادي والتأكيد على وجود شارع ديمقراطي حقيقي وان كان غير مندغم مع شارع شعبي لا يعنيه انقلاب ولا ديمقراطية . ولقد تمكنت هذه القوى من فرض الاستقطاب الصحيح انقلاب / ديمقراطية وقد التحق بنفس رؤيتها كل من غادر قطار اعتبار 25 جويلية مسار تصحيح ورغم ان كثيرا من هذه القوى الملتحقة بالدفاع عن الديمقراطية تصر على الانكار فهي تردد الان نفس ما قالته جبهة مواطنون ضد الانقلاب منذ انطلاقها .
لكن يجب الاعتراف ان الدولة / النظام واجهزتها الادارية والصلبة ومربعات نفوذها الاقتصادي والرمزي فضلا عن اللاعبين الدوليين المتحكمين في المشهد المحلي رفضوا الاستغناء عن " الفيترينة الخمسوعشرينية الانقلابية " للتسليم بضرورة استعادة المسار على قاعدة دستور الثورة اي دستور جانفي 2014 ولهذا السبب بالذات دخلت القوى الديمقراطية المناهضة للانقلاب مرحلة الشك والحيرة وكان لغياب رؤية المطاولة وقدرة الاستشراف وصناعة البديل المضموني والتنظيمي المقنع تاثير واضح على حالة الحيرة التي اصابت قواعد وجماهير ونخب هذا الشارع الديمقراطي وانا لا اعتبر العودة الى الميدان وحدها هي السبيل لتبديد الحيرة ما لم يرافقها ما بيناه من شرط سياسي في صياغة النص والانتظام .
وضعية الحيرة العامة هي التي تجعلنا لا نرى اليوم للقوى الديمقراطية من انتاج نظري غير كثير من الحكم والاقوال المأثورة التي اخذ فيها ديستوفسكي وتولوستوي مكان الرومي وشمس او الادعية المبشرة بالنصر اوالتحريض بالنكات والطرائف الاحتجاجية و بالتنبير العامي او الشعبوية المقابلة لشعبوية المنقلبين .
اما "دولة / نظام استعمال الانقلاب" فهي مشغولة بلا رؤية استراتيجية بمفاوضاتها المالية مع المنتظم الدولي متخلصة من الضغط والمراقبة عبر ترك اذرع الفيترينة الانقلابية المتوهمة لممارسة الحكم تتسلى ببناء الشركات الاهلية و الزيارات الفجئية و تفسيرات المفسرين من جهة ، او مشجعة اذرعها الاعلامية التقليدية على الاشتغال بالاستقطابات المستعادة لسنوات 2012 و 2013 و الهاء الساحة ببلاتوات الفنانات وقفشات المهرجين .
هي ازمة ...ولكن هل تدوم القدرة على ادارتها بهذه الطريقة ...الله اعلم .