تقدير موقف 2
انهى انقلاب 25 جويلية بشكل قسري منظومة الانتقال الديمقراطي التي انطلقت بعد اول انتخابات ديمقراطية في 23 اكتوبر 2011 اثر سقوط رأس المنظومة النوفمبرية التسلطية اثر الحدث الثوري بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 .
كان انقلاب 25 جويلية حدثا مركبا يضم ويعبر( في محركاته وفواعله الظاهرة والخفية) عن : برنامج و قوى " الثورة المضادة داخليا وخارجيا " و يتلفع بخطاب الشعبوية الثوروية الزاعم تصحيح المسار وتدارك " خيانة الثورة " التي مارستها " النخب" في مواجهة " الشعب الذي يريد " . والمسنود بالقوى الوظيفية ذات النسغ اليسراوي والقومي والنوفمبري الزاعم مناهضة الاسلام السياسي وانهاء "مؤامرة الربيع الأجنبي" على الدولة " الوطنية " .
هذا التركيب المعقد جعل الحدث في وضع " المرافقة " الناعمة والخفية مما سميناه في مراحل معينة ب " عقل الدولة " الذي افترضناه منتصرا في اخر التحليل الى رفض العودة الى فجاجة التسلطية النوفمبرية الاستئصالية او الانغلاقية دون مواصلة اسناد الديمقراطية الهشة والعاجزة والمهددة لوحدة " الدولة " مع الاستثمار المحسوب في "الشوكة " المستعادة والمغلفة باندفاع الشعبوية " الحميدة" والمسنودة بالوظيفية المزعومة ثورية ووطنية لانجاز العمليات الجراحية الضرورية التي عجزت عن انجازها الطبقة السياسية التي انصفها الانتقال الديمقراطي ولم تحسن استثماره .
برز في عملية " المرافقة التوظيفية " لحدث 25 الفواعل الدوليون والاقليميون باجنداتهم المتقاطعة او المتناقضة او الملتقية تسوويا على دور منوط بهذا البلد الصغير المتحول من مخبر للانتقال وانموذج ممكن لتجريب الدمقرطة الى مجال لانهاء واستفراغ الشعبويات الصاعدة واستنزاف الوظيفيات واعادة البناء القسري للطبقة السياسية الجديدة بسردياتها البراغماتية في عالم متحول يريد الاقوياء ترتيبه من جديد على قاعدة اعادة التقسيم الوظيفي للعمل والمجالات الجغراسياسية مع اعطاء اهمية اكثر في الاحترام الوظيفي للبعد الثقافي للعالم الأخضر ( الاسلامي بتلوين هنتغتون ) ولقيم المواطنة والليبيرالية الاقتصادوسياسية التي تم اغفالها في النظام العالمي الافل ويريد الان الغرب الأطلسي حسن استثمارها في مواجهة المنافسة الصفراء والاورتودوكسية العائدة مع المارد الصيني ورديفه المتمرد الروسي .
يستطيع المتابع النبيه لمجريات الصراع : انقلاب / حركة ديمقراطية على امتداد سنتين من عمر 25 جويلية ان يكتشف في عمليات المد والجزر ( يمكن قراءتها زجر) تداخل الفاعلين المحليين والخارجيين المذكورين اعلاه وتقاطع الاجندات وتناقضها وهو التعقيد الذي يفسر المفارقة التونسية الراهنة في توازن ضعف بين الحكم ومعارضته : انقلاب لم يستقر امرا تسلطيا واقعا و ديمقراطية لم تستانف مسارا .
يخرج الوظيفيون والفاشيون ودعاة العودة الى التسلطية من مولد مساندتهم ل25 بلا حمص يرفعهم الى مصاف القوى الضرورية في ترتيب المشهد القادم فقد انتهى دورهم نهائيا احزابا ومنظمات مجتمع مدني سابق .
يقف المشهد التونسي حاليا في لعبة فرز / استقطاب ايجابي بين :
شعبوية حكم الرئيس الذي يقدم نفسه بديلا ممكنا ومأمونا للانتقال الديمقراطي المقبور ويطرح مشروعه كحكم قوي يستطيع ان يضمن الاصلاحات الموجعة والقبول الشعبي ويضمن المطلوب من ادوار لتونس الوظيفية بلبوس "التسلطية الشعب / وية لدستور 25 " في اقليمها و في مكانها كظهر حام لاوروبا وصدر مفتوح لتحمل سعال افريقيا .
الحركة الديمقراطية الصامدة والسجينة التي لم تفصح الى حد الان عما تستطيعه في تونس الوظيفية بنفس المهام اعلاه ولكن بلبوس "الديمقراطية التمثيلية لدستور 2014 "
تجري لعبة الاستقطاب البدائلي هذا تحت رقابة ما نسميه جزافا وافتراضا "عقل الدولة " من جهة وتحت متابعة "الكفيل الدولي " بعد ان ضيع الفاعلون الوطنيون اثناء سنوات الانتقال واثر الانقلاب كل الراسمال الرمزي للثورة والانتقال الديمقراطي لفرض استقلال القرار الوطني .
الطرفان الحاكم ومقابله يحملان في داخل كليهما عوامل الضعف واوراق القوة وان كانت عوامل الضعف لديهما اكبر ...لكن الاشهر القادمة ستجعل الصراع حول اثبات الجدارة امام الرقيب المحلي والدولي ...وبين خيار اثبات جدارة الذات منفردة او عبر التسوية مع الخصم لاستعادة المبادرة الوطنية ستكون نتيجة اللعبة لصالح الوطن او على حسابه …