انقلاب رث يعبث بنخبة البلاد… بعيدا عن السياسة ..قرف / قلق الوجود
اعلن جون بول سارتر انه يشعر بالمسؤولية عن اندلاع الحرب العالمية الثانية و لم يكن يخفي خجله من منزلته الوجودية وسط " الذباب " و " الايادي الوسخة " ليبلغ ما سماه وجوديا بلحظة التقزز والغثيان .
المسؤولية هنا اخلاقية وجودية ذات حساسية فلسفية مرعبة تنبت مثل شوكة نخل في دماغ لزج يشعر بعبثية كل الفكر الذي انتجه وهو يعجز عن التصدي لوحشية الجنس البشري …
منذ عقود وفي سنوات سلطة المستبد الجاهل بن علي لم يتردد المفكر المرحوم هشام جعيط عن قول ما يشبه هذا الكلام مؤكدا انه يشعر بالإهانة في هذا البلد . لا يتعلق الامر بإهانة فعلية عاشها مفكر لم يجرؤ احد على التعدي عليه ..هي اهانة مجازية تعني "الغصة" الداخلية بما هي احساس "منتج المعنى" ( المفكر / المثقف) بأنه عاجز عن التصدي لهذا اللامعنى والعبث الجهلوتي الذي يهيمن على وطنه لأن الاستبداد هو في اخر التحليل ابشع مظاهر العبث الجاهل …
الاحساس بالخجل من فداحة المنزلة الانسانية وسط ركام الجهلة هو احساس لا يستطيع ان يعيشه الا كائن انساني مفرط في انسانيته بالمعنى النتشوي للكلمة .الحقير لا احساس له فهو مثل حمار يحمل اسفارا .
عندما ترى ثورة شعب و انتقالا ديمقراطيا عسيرا بمؤسساته و صراعاته و افكاره و خيباته وانتصاراته وانكساراته كان رغم كل شيء يليق ببلد وشعب و نخبة نظر اليها العالم بقدر مهم من الاحترام …ترى ذلك كله ينهار فجأة بالقوة القاهرة للدولة المستبدة التي يستعملها فرد وحشوده الجاهلة ليحول الجميع نخبا وساسة و مثقفين الى مجرد رعايا بأجهزة العنف المسمى شرعيا للدولة او الى مجرد مسحولين بين شفطر وداكس و غيرها من اسماء "الخلايق" الجاهلة التي "يخدم" عندها عدد من حملة شهائد عليا او انصاف سياسيين سابقين او أشباه اعلاميين تحولوا الى " اطارات " "تخدم" عند هذا الانقلاب الغريب وتهين كل نخب البلاد الحقيقية دون ان يرف لها جفن كرامة …عندها يجب ان يشعر المثقف الحقيقي بالخجل …فلنقل بالعار او القيء الوجودي من وضعية العجز …
هذا الخجل من الفضيحة الانطولوجية يستطيع ان يبلغ حدا اقصى من عذاب الذات ليكون الحل احيانا على طريقة التوسير او خليل خاوي..رصاصة في الحلق .. ..اللهم احفظنا وهب لنا بلادة ذهن تليق بالصبر على هذا العبث الوجودي …