من المؤكد ان للإعلام المواطني و رقابة الناس الأحرار في أجواء الحرية دور مهم في كشف كل مظاهر الخراب الذي تعيشه البلاد جراء منظومة استنفذت اغراضها و قدرتها على الاستمرار بهذا الفساد المهيكل الذي ينهشها و تنتجه تلقائيا بشكل دائم .
لكن لابد من الحذر لأن مجرد الغرق في تناقل الأحداث و الأخبار الصغيرة و تفاصيلها المتفرقة ليس كافيا للتغيير و الاصلاح بل قد يؤدي دورا عكسيا قد يخدم تأبيد الحالة حين يطغى الاحساس بالاحباط و اليأس تحت قصف العقول و المشاعر بالتفاصيل الصغيرة من قتل و اغتصاب و سرقات و تناهش احتجاجي غاضب .
يجب في المقابل الوعي بأن الاصلاح الهيكلي يقتضي الوعي بأن الفساد الهيكلي الكبير هو ما يجب ان يكون مستهدفا بعيدا عن التفاصيل الصغيرة للفساد الصغير الذي هو مجرد نتيجة فرعية للأصل .
ان الفساد في عمقه هو فساد منظومات و لاشك ان محاولات ممنهجة تمت و تتم لمواجهته عبر صياغة استراتيجيات شاملة ...سياسيا عبر جهد يجب ان يتطور في دعم انتقال ديمقراطي حقيقي يجعل الانتخابات فرصة لتصعيد القوى و الاشخاص القادرين على ادارة الدولة و مؤسساتها التنفيذية و التشريعية في اتجاه بناء الحكم الرشيد ...دستوريا عبر دعم الهيئات الدستورية و غير الدستورية و دفعها الى تطوير و تفعيل تقاريرها و خططها او اعادة صياغتها بشكل يجعلها استراتيجيات اصلاح حقيقي و تعويض سيستامات فاسدة بأخرى تكون قادرة على مراقبة الفساد و نبذه (توصيات و خطط هيئة الحوكمة و مقاومة الفساد ...هيئة الحقيقة و الكرامة ...الاسراع بإعادة هيكلة الهايكا و تطوير عملها الاستراتيجي ..الدفع الى تشكيل هيئة حقوق الانسان الخ).
في سياق متصل لابد من تطوير عمل القوى و الجمعيات المدنية و نشاط التدوين المواطني و النشاط التطوعي للاستقصاء المواطني حتى يصبح شغلها منصبا على استهداف مفاصل الفساد لا الغرق في تفاصيل تضيع الجهد و تستنزف المشاعر و تعطل العقول تحت ضغط سوداوية المتابعة الذرية للقضايا الجزئية .
ان تفكيك المنظومات الفاسدة من أجل مجتمع سليم و حكم صالح هو بناء و شغل على بناء منظومات صلاح مقابلة تؤسس لمجتمع الرقابة المواطنية العالمة لا مجتمع الاحتجاج الغصبي المشتت .