من اجل مجتمع مدني وسياسي جديد
من أهم الاسئلة المفروض طرحها في سياق التحليل النفسي للتونسي الناشط في الساحة السياسية والمدنية والاعلامية هو : كيف استعاد الشرسون ضد السلطة على امتداد العشرية الماضية هذا الاستعداد الغريب للطاعة والقبول بالتسلط ؟
هل كان الصحفيون التونسيون يقبلون بأقل من هذه الاهانات في العشرية السابقة وهل كانوا سيتصرفون بهذه الوداعة امام ما مورس عليهم من اهانة مثلا لا حصرا في قمة تيكاد ؟
كيف نفسر قابلية التهميش التي ابداها اتحاد الشغل راضيا على امتداد السنة الماضية على عكس ما ابداه في العشرية الماضية من قوة جعلته احد اعمدة الحكم ؟
من أين أتت بعض منظمات المجتمع المدني بهذا الهدوء وهي المعروفة بتصدرها ساحة الاحتجاجات على امتداد سنوات عشرة كانت تحرق فيها كل بطانيات السرير من اجل برغوثة واحدة ؟
بقطع النظر عمن يقوده فقد تبين للجميع ان 25 جويلية هو استعادة السلطة (/ النظام / القوة العارية ) لسطوتها التقليدية بعد " التهشيش " الممنهج لمخرجات الديمقراطية للتمهيد لترذيلها …
ليس معنى ذلك ان هذه السلطة لم تكن هي الحاكمة في العشرية الماضية و لكن كل ما فعلته منذ الانقلاب هو انها وجهت رسالتها النفسية بإنهاء الفسحة .الرسالة النفسية كانت مركبة ويمكن تتبع الاحداث بتفصيل منذ سنة كاملة لندرك منهجية اعادة التدجين التي اعتمدتها السلطة مع كل القوى الوظيفية التي شغلتها في عملية " تهشيش الديمقراطية "في العشرية " السوداء " .
عندما تتحدث الجهات المانحة بخيبة امل عن هذا المجتمع المدني والاعلام الذي مولته "لحماية الديمقراطية " فوجدته "زبدة سائلة" قصها سكين التسلط العائد بسهولة فمعنى ذلك ان خيبتها دليل على عجز في فهم التركيبة النفسية " للنخبة التونسية " وعلاقتها المعقدة بالدولة / النظام .
من هذا التقدير النظري نتحدث باستمرار عن مجالين سياسيين ..المجال التقليدي المندغم بالسلطة / النظام منذ عقود و الذي استنفذ كل اغراضه في انتاج الجديد والمجال الهامشي / الاهلي الذي يجب الاشتغال عليه ومع نخبه ومثقفيه لتجذير ثقافة الحرية والديمقراطية للمستقبل.