من موقع التحليل السياسي و تقدير الموقف في اوساط النخبة السياسية و الحقوقية و الاعلامية و الاكاديمية يبدو الحزام الرئاسي خاليا الا من حزب برلماني وحيد و بعض الحلقات و الاسماء القليلة غير الوازنة اخلاقيا و سياسيا في عالم النخبة ….في المقابل اتسعت جبهة معارضة الرئيس لتشمل الاغلبية الساحقة للنخب و صانعي الرأي و الفعل ( احزاب ..نشطاء ..حقوقيون ..اعلاميون …مثقفون ) . يبقى بطبيعة الحال عنصر اساسي في تفعيل هذا الاختلال في التوازن وهو قدرة " تونس المعارضة " على صياغة مشترك سياسي مرحلي و خطة عملية لإسقاط اجراءات الرئيس …
لاشك ان مهمة التجبيه و بناء المشترك عمليا تبدو عسيرة او بطيئة لكن ذلك لا يمنع ان المواقف العملية حتى لو تفرقت ستكون مهمة في ابراز انعدام الحامل النخبوي لاجراءات الرئيس او ضعفه على الاقل و هذا مهم جدا في تحويل الاجراءات الرئاسية الى عامل ازمة سياسية خانقة تحيل الى معطى " عزلة السلطة " عن النخبة الوطنية باعتباره اهم العوامل في تحديد قوة اي سلطة او ضعفها فضلا عن انقسام شعبي مفترض يبقى فيه الحديث عن " جمهور فعلي " للرئيس و بسردية سياسية واضحة معبئة لهذا الجمهور مجرد تقدير لا اثبات له ( حتى النخب المساندة له تتحرك من افقين متناقضين : نوفمبريين مقابل زاعمين للانتماء الى 17 ديسمبر ) في حين يبدو الجمهور المقابل للرئيس واضحا و مسيسا و بوجوه معلومة رغم انتمائه الى احزاب مختلفة .
هذا التقدير لتوزع القوى يجعل الورقة الرئيسية في يد الرئيس حاليا هي " القوة الصلبة للدولة " اي اجهزة " الحكم " و هي قوة متحركة اصبحت بعد 14 / 17 تأخذ كثيرا بعين الاعتبار لا التحصيل الانتخابي فقط للقوة السياسية التي تشتغل تحت امرتها بل تأخذ ايضا بعين الاعتبار حيازتها على المشروعية بين النخب و قدرتها على ضمان الاستقرار و عدم الانقسام الشعبي في زمن حكمها.
مواقف المنتظم الدولي في الاقليم و العالم معنية ايضا بما سمته الاستقرار المؤسساتي و احترام الدستور و المسار الديمقراطي في اي تعامل مع الازمة التونسية .
دور النخب السياسية و المدنية في صياغة مشتركها المرحلي سياسيا و عمليا ليس مجرد طلب، بل هو الان اكثر من واجب وطني و مسؤولية تاريخية لضمان وحدة الصوت الوطني الذي يمنع جعل تقرير مصير البلاد مجرد اجراءات يتم صوغها بين المنتظم الدولي و اجهزة الدولة .