رغم ما يبدو في اوساطنا ،نحن المهتمين بالشأن العام، من تقارب في وجهات النظر المكتوبة حول مسائل الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني ورغم ما يبدو احيانا من تعاطف في الظاهر بين اصحاب الفكرة الواحدة الا ان ساحة الفاعلين السياسيين يسودها في الحقيقة الانقسام والعلاقات منقطعة او سيئة حتى بين انصار المشروع السياسي الواحد رغم المجاملات الظاهرية .
الأمر عادي ..." الشعوب " العربية ، من عامة الناس او النخب او السياسيين ، هي حاليا مجرد ذرات لأفراد لا رابط بينهم . كل فرد مشغول بهمومه الخاصة وسعيه الى الخلاص الشخصي وفي احسن الحالات الخلاص العائلي مع ارتفاع مشاعر النفور من الاخر والحذر منه .
تلك هي الأمزجة والمشاعر الطبيعية في فترات الازمة والتحولات العميقة : غياب المشتركات والتقوقع على الذات وطغيان التوجس من المجموعة .
بطبيعة الحال الفايسبوك وغيره من وسائل الاتصال الافتراضي تمنح الفرد ما يحتاجه غريزيا من احساس بالانتماء الى مجموعة او وهم الانخراط في مجتمع ، لكن هذا الاشباع يتم افتراضيا دون اضطرار للتواصل الفعلي مع الاخرين بل انه اشباع افتراضي يسهل تجنب كل تواصل فعلي .
في الازمات والتحولات القيمية الكبرى لا يرتاح الناس لبعضهم ويميلون في الغالب الى العلاقات الامنة والمضمونة الماقبل مجتمعية او الماقبل حديثة ويعودون الى الاكتفاء بالعشائرية او الطائفية او القبلية وبغياب هذه التشكيلات في مجتمعاتنا الحديثة نزل الفرد الى مجرد الاكتفاء بالعلاقات العائلية وفي الغالب العلاقات العائلية الصغيرة / النواتية .
الناس في فترات غياب المشروع المجتمعي والهوية الاستيهامية المفترضة ومع تجارب الاحتراب المعاصرة ( الطبقية والحزبية والدينية وغيرها ) يصلون الى مرحلة عدم القدرة حتى على تحمل انفسهم فما بالك بتحمل الاخر والعلاقة معه او تحمل مسؤولية الخلاص الجماعي مهما كانت المبررات السياسية او الدينية او غيرها .
المستقبل سيكون لفترة طويلة للفردانية المكتفية بذاتها في مقابل ترك التدبير العام للقوة الحاكمة او للحكم القوي ..الدولة الكلية .
الحديث عن ارادة شعوب مدبرة مجرد مغالطة لإخفاء حقيقة المدبرين .