ماهي الترتيبات الاطلسية للمنطقة العربية في السنوات المقبلة ؟

هذا هو السؤال المركزي لنهاية سنة وبداية أخرى .

من المعلوم ان كل الاحداث التي شهدها العالم العربي (منذ عقدين على الأقل وهو تاريخ نشأة واستقواء المقاومة الاسلامية السنية والشيعية ) كان صراعا بين الترتيبات المقررة أطلسيا للشرق ( الأوسط بالتسمية الاستعمارية ) وارادة المقاومة ( المسلحة ) .

اشتغل الترتيب الأطلسي الصهيوامريكي ؛ في عشريتي التحولات الصاخبة منذ بداية الألفين ؛ بأسلوبي "ادارة القوى" عبر اصطناع الاحداث والصراعات بين النظم والتيارات السياسية و "ادارة التغيير " في منطقة يواجه فيها الحلف الصهيوامريكي قوى اقليمية تتناقض وتتعايش وتلتقي على الرفض الادنى او الاقصى للانفراد الاطلسي بترتيب شؤون الشرق ( تركيا ؛ ايران كدولتين تاريخيتين من المنطقة وروسيا والصين كقوتين جارتين للمنطقة ومعنيتين مصلحيا بمواجهة الترتيب الاطلسي الاحادي لها).

لم تكن القوى العربية السياسية حكما ومعارضة والشعبية نخبا وسكانا طرفا في صراع القوى وتوجيه نتائج هذا الصراع وترتيباته الا من حيث هي قوى وظيفية.

القوة الاساسية التي يجوز ان يفخر العرب بنشأتها من حيث هي قوة اصيلة قادرة على ارباك الترتيب او فرض المشاركة فيه هي المقاومة والتي بلغت اوج تألقها وتنسيقها منذ سبع سنوات تقريبا في اطار الغرفة المشتركة التي تم الاعلان عنها واصبح يصطلح على تسميتها بمحور المقاومة وقد تقدمت ايران كقوة اقليمية بفضل هذا التشكل .

تجدر الاشارة الى ان المحاولة العربية الاولى الموجهة أطلسيا لتشكيل قوة ناعمة وفاعلة في الترتيب كانت عبر موجة الثورات العربية وقد تشكل محور الربيع من قوى الاسلام السياسي / الديمقراطي / وقد تقدمت تركيا ( وقطر بصفة رديف ) بفضل هذه المحاولة. ولكن هذه المحاولة سرعان ما فشلت لأسباب عديدة ومركبة ومتداخلة يحسن بنا ان نطيل في شرحها في مناسبات اخرى .

يجب التأكيد على ان الفراغ الاستراتيجي الذي صنعه الصهيوامريكي ( بحكم القوس الترامبي الأول ) تمثل في كسر القوة الناعمة للعرب ( محور الربيع ) كشريك مفترض في ترتيباته وهو ما اتاح بشكل مفارقي صعود القوة الصلبة ( محور المقاومة) لمواجهة ترتيب كان سيكون مذلا ( صفقة القرن ) في غياب اي قوة عربية(من غير النظم الرسمية ) قادرة على التعديل والتسويغ : لقد انطلق الطوفان في وضع فراغ استراتيجي عربي امام صلف اطلسي احادي اراد الترتيب بمعزل تام عن كل ارادة للشعوب الحية في المنطقة واهمها الشعب الفلسطيني وقد اعاد الطوفان الصراع الى بعده الرئيسي : القضية الفلسطينية مدار الصراع والترتيب في المنطقة .

سوف يتدارك العقل الاطلسي الصهيوامريكي سريعا ارتباكه الاستراتيجي ليذهب في اتجاهين متظافرين :

اولا : كسر خيار المقاومة والتأكيد على ان ثمن هذا الخيار مكلف جدا للمنطقة وقد تمكن مرحليا من ذلك بفضل قوة نارية وتكنولوجية مازال متفوقا فيها .

وقد استطاع الصهيوامريكي مرحليا تفكيك محور المقاومة وتثبيت الكيان كطرف اساسي في المنطقة بعد ان واجه فعلا في الاشهر الاولى خطرا وجوديا ولابد من تحليل هادئ للأسباب والعوامل المركبة التي جعلت العرب يخسرون خيارا اساسيا ووحيدا لاستعادة استقلالهم وارادتهم .

ثانيا : وكنتيجة لهذا النجاح ومن اجل تحصينه حتى لا ينتج غضبا عربيا اخطر ذهب العقل الصهيوامريكي الى استعادة التلويح لسكان المنطقة العربية ب " أمل الربيع " باعتباره اقل الخيارات كلفة واكثرها تلبية لانتظارات الناس في التخلص باعتدال وسلمية وهدوء من المستبدين وتحقيق الامن والاستقرار والرخاء الاجتماعي والاقتصادي وباعتباره اكثر الخيارات جدوى لضمان تسوية شاملة ل " كل " شعوب المنطقة بعيدا عن خيارات المواجهة والصدام واستهداف الكيان الصهيوني شرط ومدار كل ترتيب .

كانت العودة الى هذا الخيار من سوريا نفسها التي شهد فيها خيار " الربيع " بدايات انكساره وبدايات عودة الصراع بين الشعوب العربية وتياراتها الكبرى ( الفتنة المذهبية والطائفية ) ؛ وهو الصراع او الترتيب المؤقت الذي اعتمده الصهيوامريكي في عشرية " الربيع الاول " لإدارة المنطقة للإجهاز المزدوج على مشروعي " المقاومة " و "الديمقراطية" ومنع التئامهما تمهيدا لعودة " الربيع الثاني " المرتب والمرطب لكل صراعات المنطقة على قاعدة عدم احساس عرب المنطقة بالضيم .

تتم استعادة مشروع " الربيع " حاليا بعد ان تم " تطهيره" من كل طموحات مغامرة ( محاولات ربطه سابقا بالتحرر الوطني ومناهضة الكيان ) وبعد ان تم اعداد قوى اخرى اكثر فاعلية وبراغماتية لتنفيذه (تعويض فشل الاسلام السياسي التقليدي من النهضة الى الاخوان بقوة جديدة يتم الاشتغال بمهارة رهيبة على صورتها لتلبي كل المطلوب النفسي لسكان المنطقة ويعوض/ يعالج كل احساس بالانكسار بعد التوحش الاطلسي في حرب الابادة التي مورست على غزة ).

كما تتم استعادة مشروع " الربيع " بعد ان تم اظهار مشروع " المقاومة " في ابشع مظاهر عجزه وعدميته ( اختراق سهل وقتل سلس لقياداته واستهداف امني سهل للدولة التي ترعاه وسوف يتعمق استهدافها اخلاقيا بما سيتم كشفه من ممارسات النظام السوري المخلوع ) ويتواصل اظهار انسداد افق المقاومة بمواصلة الامعان في رفع كلفته عبر تحويل المشهد الغزاوي اليومي الى مشهد مخيف يتم فيه تحميل خيار المقاومة المسؤولية الاخلاقية وتوجيه العقول الى وجهة اكثر واقعية واقناعا وهي خيار التخلص المرن من الاستبداد العربي وضمان الحياة الكريمة للسكان تمهيدا للتسوية الشاملة والهادئة في كل المنطقة .

هذا التوصيف لمعطيات المنطقة لا يمنع من القول ان التعقيدات في هذا الشرق الساخن تظل باستمرار اكبر من كل استشراف وتوقع ...لكننا نقرا الوقائع ونترك الخفي لعلم الله او لادعاءات المنجمين....

ملاحظة : استعمل مصطلحي " المنطقة " و " السكان " تعويضا لكلمتي " الوطن / العالم العربي " و " شعوب " وهما كلمتان لا وجود لهما الان قبل ان يستعيد الشرق واهله دورا في مواجهة " الترتيبات " التي تحكم الان كل احداثه ووقائعه وان زعم بعض الارادويين انها من ارادة الشرق واهله …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات